السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا وفقكم الله
معنا سؤال من إخوانك في إندونيسيا :
وهو كيف نميز من يبدع الناس بلا حجة صحيحة وما نصيحتكم له ؟
الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا وبعد : يبدوا أن السائل قد اختلط عليه أمر التبديع لكثرة المتصدرين لهذا الأمر الجسيم ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم . وإلا فإن الأمر في غاية الوضوح لمن كان له علم ولذا لابد أن تعلم أيها السائل أن هذا الخلط سببه نوع من الجهل الذي لابد أن تسعى في رفعه وإلا فإنك ستقع في ما يقع فيه هؤلاء من الظلم وخدش أعراض المسلمين بغير حق وما أكثر الذين يظلمون إخوانهم بغير حق والسبب الأول عدم التوفيق من الله تعال ثم بعد ذلك الجهل الذي ينتج عنه ضعف تمييز المسائل وبالتالي الخلط بينها . ولهؤلاء المخلطون علامات كثيرة أبرزها عندي عشرة سأذكر لك منها الآن خمسا ثم خمس في مجلس آخر لضيق الوقت :
⭕️ أولا : تراهم مشغولون بالناس وينسون أنفسهم : فتراهم يكثرون من تتبع عورات المسلمين لكشفها وإعلانها فأكثر أوقاتهم مشغولة بالناس وفي نفس الوقت ينسون أنفسهم فشغلهم الشاغل فلان وفلان وكل ذلك بمحض الظنون وخيال الإستنتاج . وينتج عن ذلك أنك تراهم ضعاف في حفظ القرآن ناهيك عن إتقان أدائه و معرفة تفسيره بل بعضهم والله لا يحسن أداء الفاتحة وقد رأيناهم و تراهم ضعاف في حفظ السنة وضعاف في الإطلاع ومعرفة مسالك العلماء وضعاف في الأخلاق والسلوك . وهذا حق فمن شغل نفسه بباطل ذهب عنه نور الحق بقدر انشغاله بالباطل قال الله تعالى مبينا هذا الخطر العظيم الذي هو طريقة الغلاة من أهل الكتاب قبلنا (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسࣱ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدࣲۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ نَسُوا۟ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمۡ أَنفُسَهُمۡۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ)
⭕️ ثانيا : الأصول التي يحاجون الناس بها على نوعين :
📌 أولها من اختراع أنفسهم ما نزل الله بها من سلطان وعلامتها أنك لا تجدها في كلام السلف والعلماء ناهيك عن أن يبدعون الناس بها ! كمن يبدع أحدا لأنه دكتور تخرج من الجامعة الإسلامية فقط فيرى ذلك مبدعا ! ومن يبدع مطلقا كل من خرج يعلم الناس في فيديو فقال هذا مبتدع بسبب ذلك مطلقا مستحقا للدخول في الفرق الاثنتين والسبعين الهالكة! ومن يبدع من لبس سرولا بلا إزار مطلقا فيرى ذلك كاف لإخراجه من جماعة أهل السنة ونحو ذلك من أنواع الجهالات التي تدل على الخلط بين الخطأ و البدعة .
📌 ثانيها أصول صحيحة ولكنهم يسيئون استعمالها لسوء الفهم أو لسوء النية كمن يرى هجر كل من رؤي مع أي أحد موصوف ببدعة فيحسبه عليهم مطلقا ويقول قال أبو قلابة وقال مالك وقال أحمد وقال القحطاني وغير ذلك رحمهم الله جميعا .. وكلام هؤلاء السلف صواب ولكنك تجد أنه أنزل كلامهم على غير مرادهم و استعمله على ما يهوى فيمن يريد كيفما يريد وليس كما أراده هؤلاء السلف فمثلا في هذه القضية هم أرادوا معنا مخصوصا وهو المجالسة من مفاعلة بمعنى الخلطة والتى قد يكون منها التأثر ببدعتهم لاسيما من ضعيف العلم قليل التمييز ونحو ذلك فليس مطلق إطلاقا فهذا الموصوف بالبدعة قد يكون جاهلا ينبغي أن يعلم أو أبا بنبغي أن يصاحب بالمعروف أو ولي أمر فيطاع بالمعروف كذلك أو نحو ذلك مما تقتضيه المصلحة كما نص على ذلك ابن تيمية وعزاه لهؤلاء الأئمة وغيرهم رحمهم الله جميعا. وهنا يتجلى لك عدم التوفيق في الاستدلال والتنظير والنتائج والسير كذلك والسبب هو الاستهانة بشعائر الدين والتي منها حرمة أعراض المسلمين كما قال الله تعالى "ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه " فالجزاء من جنس العمل والنتائج معقودة بأسبابها كونا.
⭕️ ثالثا : قليلوا الورع ضعيفوا الأخلاق : فتجدهم يخرجون من أفواههم الكلمات العظيمات التي لربما يستثبت فيها العالم دهرا طويلا قبل أن ينفذها على معين ولربما استشار فيها علماء آخرين مخافة أن تسجل عليه وحده يوم القيامة لأنهم يعرفون عظم زلل اللسان في أعراض المسلمين عند الله تعالى بينما تجد هؤلاء الناس لايبالون في إخراجها ليلا نهارا بسهولة كأنما يتنفسون . ولذا لا تجدهم يستشيرون العلماء أو يسلكون مسلكهم في التريث واحتمال الأعذار بل هم دائما مستعجلون محبون للظهور بالتسلق على أعرض إخوانهم نسأل الله العافية فكان ناتج ذلك جزاء وفاقا أن أعمالهم فاسدة تنقلب عليهم سلبا كما قال تعالى (ٱسۡتِكۡبَارࣰا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّیِّىِٕ وَلَا یَحِیقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّیِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ یَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِینَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِیلࣰاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّه تحويلا) وقال تعالى (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَقُولُوا۟ قَوۡلࣰا سَدِیدࣰا یُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَـٰلَكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِیمًا)
⭕️ رابعا : مطففون أصحاب هوى : يكيلون بمكيالين مكيال لمن لا يحبون فتجدهم في غاية التتبع لأي كلمة قد تكون مدخلا للكلام عليه بل ويحملون الكلمة مالا تحتمل ويجعلون من الحبة قبة لأنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور لأنهم قد حكموا على من لا يحبون مسبقا فصار بحثهم في كلامه ليس لينصفوه من أنفسهم وإنما ليؤكدوا بغضه لأنفسهم نعوذ بالله من حظ النفس والهوى، بينما تجدهم لايحسبونها على من يحبون ولو كانت أضعافا مضاعفة لأن الحقيقة في ذلك كله ليس الدفاع عن الدين بل هو حظ النفس والحب والبغض فيها وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساوئ وحسبنا والله ونعم الوكيل والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون . قال تعالى ( وَیۡلࣱ لِّلۡمُطَفِّفِینَ ٱلَّذِینَ إِذَا ٱكۡتَالُوا۟ عَلَى ٱلنَّاسِ یَسۡتَوۡفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمۡ أَو وَّزَنُوهُمۡ یُخۡسِرُونَ (أَلَا یَظُنُّ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَنَّهُم مَّبۡعُوثُونَ لِیَوۡمٍ عَظِیمࣲ یَوۡمَ یَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ)
⭕️ خامسا : لايفقهون مصلحة الدعوة ولايعظمون شعيرة الأخوة فتراهم حيثما وجدوا أحرقوا وفرقوا لأن شغلهم الشاغل الطعن في إخوانهم وتتبع عثراتهم فمجالسهم مليئة بالفتن ومساجدهم كثيرة التفرق وأخوتهم أوهى من بيت العنكبوت فيكونون إخوانا اليوم وأعداء غدا وهكذا دواليك و ينتج عن هذا نفرة الناس عن الدعوة لأن الناس بفطرتهم يكرهون الظلم والقيل والقال بالباطل وينتج عن ذلك شماتة الاعداء التي كان يستعيذ منها النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك انقطاع حلقات العلم في تلك المساجد وبالتالي ضعف الدعوة ومن شغل نفسه بالباطل شغلته عن الحق والله المستعان.
⭕️ السادس: متعصبون إذا أحبوا حتى التقليد رغم أنهم يتكلمون عن خطر التقليد ليلا نهارا ! فكما أنهم إذا كرهوا أحدا بالغوا في التشنيع عليه فكذلك هم إذا أحبوا أحدا وأعتقدوا صلاحه وعلمه فإنهم يبالغون في محبته جدا جدا حتى التقليد والتعصب ولربما يوالون ويعادون في ذاته عياذا بالله ويندر أن يمر عليهم يوما دون أن يذكرونه بل ترى أنهم لا يأخذون بقول غيره إلا على استحياء وذلك في جل مسائل الدين والعجيب أنهم لا يفعلون ذلك مع عامة السلف والعلماء وهم ينتسبون إليهم !. وقد جائني أحد هؤلاء "أصلحه الله" مرة لألقنه القرآن وهو يربط عمامته على هيئة ربطة شيخ من أهل العلم نحبه في الله ثم لما تلا القرآن إذا به يتكلف تقليد تلاوت ذلك الشيخ وأنا أعرفها وكان قبح تكلفه واضح جدا ثم لما رن هاتفه إذا بصوت رنته على مقطع صوتي لذلك الشيخ نفسه وفقه الله فأخذت منه رقمه لأكلمه في ذلك لاحقا فإذا بكنيته على اسم ذلك الشيخ كذلك وإذا في صورة حالت هاتفه كتب ذلك الشيخ كذلك فقلت له والله إني أعرف ذلك الشيخ ولا أحسبه يقبل كل ذلك منك وهو من طلاب الإمام مقبل رحمه الله فهو أشد إجلالا لشيخه مقبل منك له ولم يفعل ذلك معه! . فقال نحن بهذا نغيض أهل البدع ! فقلت له من أحرص على إغاضتهم أنت أو الشيخ الذي تحرص على تقليد لباسه وتلاوته ؟ فقال هو .. فقلت له لماذا لم يفعل هو كذلك مع الشيخ مقبل فلا تلاوته كالشيخ مقبل ولا عمامته مثل عمامته ولا كنيته أبو مقبل ؟! وتلاوته جميلة لأنها تلاوة من فطرته لم يقلد فيها أحدا ! . فإغاضة أهل البدع تكون بالحق والهدى أي بالعلم و العدل ونشر الحق ودعوة الناس إليه واحترام أهل العلم ومحبتهم وليس من ذلك التكلف في تقليد لباسهم وتلاوتهم فضر مثل هذا أكثر من نفعه ! قال النبي صلى الله عليه وسلم على وسلم كما في حديث عبدالله بن عمرو في مسلم ((إنَّ المقسطين يوم القيامة على منابر من نور، عن يمين الرحمن، -وكلتا يديه يمين- الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا))
⭕️ السابعة: وينتج عن "الغلو في المحبة " المذكور سابقا قضية أحادية النظر في مسائل الدين وخاصة المختلف فيها فتجدهم ينظرون إلى كل خلاف تقريبا بمنظار من تعلقوا بحبه حتى قلدوه بل يزيد بعضهم حتى يرى أن خلاف ذلك المنظار ليس له محل من النظر حتى يحله من قلدوه بل رأيت بعض هؤلاء من يرى أن ترجيح غير قول شيخه يعتبر قدحا فيه وهذا من الجهل والغلو بمكان . ولا بد أن يعلم أن أحادية النظر في مسائل الخلاف خاصة الفقهية منها ينتج عنه ضحالة الفكر وضيق الرؤية وضعف الحصيلة العلمية إجمالا بل والمشقة على المسلمين كذلك والله المستعان.
⭕️ الثامنة : وأحادية النظر المذكورة آنفا والتشبث بها منهاجا ينتج عنها صفة مذمومة في باب الاختلاف المعتبر وهي الإكثار من القطع والبت والتحقيق ونفي الريب والشك في الترجيح مطلقا وكأن القول الآخر سراب أو هيام أو هواء والذي ربما يكون عليه جمهور الأمة بمن فيها من عقلاء وعلماء وعباد وقراء وربما يكون عليه غير الجمهور مما يعظم شأنهم وأثرهم على موروث الأمة ككل . فتنبه لذلك فإنها صفة لطالما فر منها العقلاء لأنها تنافي تواضع النفس ومعرفة قدرها وكذلك تنافي احترام عقول السامعين بل ولطالما تركوا لأنفسهم فسحة للتراجع وحفظ ماء الوجه فقد يقولون القول اليوم و يرجعون عنه غدا مادام وأن المسألة معتبرة الخلاف وليس موردها مورد المسائل القطعية الدلالة .
⭕️ التاسعة : يجد الناظر أن منهج العلماء الربانيين رحم الله من مات وحفظ من بقي منهم ينافي طريقة هؤلاء في التعامل مع إخوانهم فلا يوجد في كتب العلماء كابن باز والألباني والوادعي والعثيمين وغيرهم ما فيه عجلة في تبديع معين أو سبق لإخرج أخ لهم من أهل السنة بل تجد العكس تماما فتجد الصبر والتأليف والرحمة ثم إذا لزم الأمر فإنهم يتقصدون الكلام على جنس أهل البدع قبل تبديع الأعيان وآخر العلاج الكي وهكذا دواليك … فانتساب هؤلاء إلى العلماء المذكورين وغيرهم نسبة يعتريها كثير من التلبيس والزور إذ أن غاية ذلك في الظاهر هو التسويق لأنفسهم لا غير ودليل ذلك أنك إذ سألت أحدهم وقلت له دعنا نرفع كلامك في أخيك إلى هؤلاء العلماء لننظر هل يوافقونك في تبديعه أم لا يكون جوابهم في الأغلب تلك المقولات المشهورة كأهل مكة أدرى بشعابها وصاحب البيت أدرى بمن فيه وأنا أعلم بأهل بلدي ونحو ذلك من التأصيلات التي يستخدمونها على مرادهم وليس على مراد من استنبطها وبينها من أهل العلم كما تقدم والله المستعان.
⭕️ العاشرة : يكثرون التنقل فتارة معك وتارة عليك وتارة على غيرك وفي كل ذلك هم قاطعون بصواب موقفهم إطلاقا فليس لهم قرار ولا عليهم اعتماد بل ويصل بكثير منهم إلى قلة أدبهم مع من علمهم الخير وتأدبوا على يديه بل وقد يكون قد تسبب في تعرفهم على السلفية أصلا والسبب في ذلك خلط الأصول واخترام المنهج وأحادية النظر وقصور الأخلاق ولربما يصل هذا التنقل إلى مرتبة السآمة لديهم فيكون سببا في ضعف استقامتهم لأنهم في الحقيقة يتعبون أنفسهم أشد من إتعابهم غيرهم وفي كل تعب وقد يكون بعد ذلك الانتكاسة والعياذ بالله وقد رأيناها والله مرات كثير ة وهذا في الغالب نهاية المتنطعين في الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "هلك المتنطعون " ومثله في البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا
والله المستعان والحمد لله رب العالمين
الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا وبعد : يبدوا أن السائل قد اختلط عليه أمر التبديع لكثرة المتصدرين لهذا الأمر الجسيم ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم . وإلا فإن الأمر في غاية الوضوح لمن كان له علم ولذا لابد أن تعلم أيها السائل أن هذا الخلط سببه نوع من الجهل الذي لابد أن تسعى في رفعه وإلا فإنك ستقع في ما يقع فيه هؤلاء من الظلم وخدش أعراض المسلمين بغير حق وما أكثر الذين يظلمون إخوانهم بغير حق والسبب الأول عدم التوفيق من الله تعال ثم بعد ذلك الجهل الذي ينتج عنه ضعف تمييز المسائل وبالتالي الخلط بينها . ولهؤلاء المخلطون علامات كثيرة أبرزها عندي عشرة سأذكر لك منها الآن خمسا ثم خمس في مجلس آخر لضيق الوقت :
⭕️ أولا : تراهم مشغولون بالناس وينسون أنفسهم : فتراهم يكثرون من تتبع عورات المسلمين لكشفها وإعلانها فأكثر أوقاتهم مشغولة بالناس وفي نفس الوقت ينسون أنفسهم فشغلهم الشاغل فلان وفلان وكل ذلك بمحض الظنون وخيال الإستنتاج . وينتج عن ذلك أنك تراهم ضعاف في حفظ القرآن ناهيك عن إتقان أدائه و معرفة تفسيره بل بعضهم والله لا يحسن أداء الفاتحة وقد رأيناهم و تراهم ضعاف في حفظ السنة وضعاف في الإطلاع ومعرفة مسالك العلماء وضعاف في الأخلاق والسلوك . وهذا حق فمن شغل نفسه بباطل ذهب عنه نور الحق بقدر انشغاله بالباطل قال الله تعالى مبينا هذا الخطر العظيم الذي هو طريقة الغلاة من أهل الكتاب قبلنا (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسࣱ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدࣲۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ نَسُوا۟ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمۡ أَنفُسَهُمۡۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ)
⭕️ ثانيا : الأصول التي يحاجون الناس بها على نوعين :
📌 أولها من اختراع أنفسهم ما نزل الله بها من سلطان وعلامتها أنك لا تجدها في كلام السلف والعلماء ناهيك عن أن يبدعون الناس بها ! كمن يبدع أحدا لأنه دكتور تخرج من الجامعة الإسلامية فقط فيرى ذلك مبدعا ! ومن يبدع مطلقا كل من خرج يعلم الناس في فيديو فقال هذا مبتدع بسبب ذلك مطلقا مستحقا للدخول في الفرق الاثنتين والسبعين الهالكة! ومن يبدع من لبس سرولا بلا إزار مطلقا فيرى ذلك كاف لإخراجه من جماعة أهل السنة ونحو ذلك من أنواع الجهالات التي تدل على الخلط بين الخطأ و البدعة .
📌 ثانيها أصول صحيحة ولكنهم يسيئون استعمالها لسوء الفهم أو لسوء النية كمن يرى هجر كل من رؤي مع أي أحد موصوف ببدعة فيحسبه عليهم مطلقا ويقول قال أبو قلابة وقال مالك وقال أحمد وقال القحطاني وغير ذلك رحمهم الله جميعا .. وكلام هؤلاء السلف صواب ولكنك تجد أنه أنزل كلامهم على غير مرادهم و استعمله على ما يهوى فيمن يريد كيفما يريد وليس كما أراده هؤلاء السلف فمثلا في هذه القضية هم أرادوا معنا مخصوصا وهو المجالسة من مفاعلة بمعنى الخلطة والتى قد يكون منها التأثر ببدعتهم لاسيما من ضعيف العلم قليل التمييز ونحو ذلك فليس مطلق إطلاقا فهذا الموصوف بالبدعة قد يكون جاهلا ينبغي أن يعلم أو أبا بنبغي أن يصاحب بالمعروف أو ولي أمر فيطاع بالمعروف كذلك أو نحو ذلك مما تقتضيه المصلحة كما نص على ذلك ابن تيمية وعزاه لهؤلاء الأئمة وغيرهم رحمهم الله جميعا. وهنا يتجلى لك عدم التوفيق في الاستدلال والتنظير والنتائج والسير كذلك والسبب هو الاستهانة بشعائر الدين والتي منها حرمة أعراض المسلمين كما قال الله تعالى "ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه " فالجزاء من جنس العمل والنتائج معقودة بأسبابها كونا.
⭕️ ثالثا : قليلوا الورع ضعيفوا الأخلاق : فتجدهم يخرجون من أفواههم الكلمات العظيمات التي لربما يستثبت فيها العالم دهرا طويلا قبل أن ينفذها على معين ولربما استشار فيها علماء آخرين مخافة أن تسجل عليه وحده يوم القيامة لأنهم يعرفون عظم زلل اللسان في أعراض المسلمين عند الله تعالى بينما تجد هؤلاء الناس لايبالون في إخراجها ليلا نهارا بسهولة كأنما يتنفسون . ولذا لا تجدهم يستشيرون العلماء أو يسلكون مسلكهم في التريث واحتمال الأعذار بل هم دائما مستعجلون محبون للظهور بالتسلق على أعرض إخوانهم نسأل الله العافية فكان ناتج ذلك جزاء وفاقا أن أعمالهم فاسدة تنقلب عليهم سلبا كما قال تعالى (ٱسۡتِكۡبَارࣰا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّیِّىِٕ وَلَا یَحِیقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّیِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ یَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِینَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِیلࣰاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّه تحويلا) وقال تعالى (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَقُولُوا۟ قَوۡلࣰا سَدِیدࣰا یُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَـٰلَكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِیمًا)
⭕️ رابعا : مطففون أصحاب هوى : يكيلون بمكيالين مكيال لمن لا يحبون فتجدهم في غاية التتبع لأي كلمة قد تكون مدخلا للكلام عليه بل ويحملون الكلمة مالا تحتمل ويجعلون من الحبة قبة لأنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور لأنهم قد حكموا على من لا يحبون مسبقا فصار بحثهم في كلامه ليس لينصفوه من أنفسهم وإنما ليؤكدوا بغضه لأنفسهم نعوذ بالله من حظ النفس والهوى، بينما تجدهم لايحسبونها على من يحبون ولو كانت أضعافا مضاعفة لأن الحقيقة في ذلك كله ليس الدفاع عن الدين بل هو حظ النفس والحب والبغض فيها وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساوئ وحسبنا والله ونعم الوكيل والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون . قال تعالى ( وَیۡلࣱ لِّلۡمُطَفِّفِینَ ٱلَّذِینَ إِذَا ٱكۡتَالُوا۟ عَلَى ٱلنَّاسِ یَسۡتَوۡفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمۡ أَو وَّزَنُوهُمۡ یُخۡسِرُونَ (أَلَا یَظُنُّ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَنَّهُم مَّبۡعُوثُونَ لِیَوۡمٍ عَظِیمࣲ یَوۡمَ یَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ)
⭕️ خامسا : لايفقهون مصلحة الدعوة ولايعظمون شعيرة الأخوة فتراهم حيثما وجدوا أحرقوا وفرقوا لأن شغلهم الشاغل الطعن في إخوانهم وتتبع عثراتهم فمجالسهم مليئة بالفتن ومساجدهم كثيرة التفرق وأخوتهم أوهى من بيت العنكبوت فيكونون إخوانا اليوم وأعداء غدا وهكذا دواليك و ينتج عن هذا نفرة الناس عن الدعوة لأن الناس بفطرتهم يكرهون الظلم والقيل والقال بالباطل وينتج عن ذلك شماتة الاعداء التي كان يستعيذ منها النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك انقطاع حلقات العلم في تلك المساجد وبالتالي ضعف الدعوة ومن شغل نفسه بالباطل شغلته عن الحق والله المستعان.
⭕️ السادس: متعصبون إذا أحبوا حتى التقليد رغم أنهم يتكلمون عن خطر التقليد ليلا نهارا ! فكما أنهم إذا كرهوا أحدا بالغوا في التشنيع عليه فكذلك هم إذا أحبوا أحدا وأعتقدوا صلاحه وعلمه فإنهم يبالغون في محبته جدا جدا حتى التقليد والتعصب ولربما يوالون ويعادون في ذاته عياذا بالله ويندر أن يمر عليهم يوما دون أن يذكرونه بل ترى أنهم لا يأخذون بقول غيره إلا على استحياء وذلك في جل مسائل الدين والعجيب أنهم لا يفعلون ذلك مع عامة السلف والعلماء وهم ينتسبون إليهم !. وقد جائني أحد هؤلاء "أصلحه الله" مرة لألقنه القرآن وهو يربط عمامته على هيئة ربطة شيخ من أهل العلم نحبه في الله ثم لما تلا القرآن إذا به يتكلف تقليد تلاوت ذلك الشيخ وأنا أعرفها وكان قبح تكلفه واضح جدا ثم لما رن هاتفه إذا بصوت رنته على مقطع صوتي لذلك الشيخ نفسه وفقه الله فأخذت منه رقمه لأكلمه في ذلك لاحقا فإذا بكنيته على اسم ذلك الشيخ كذلك وإذا في صورة حالت هاتفه كتب ذلك الشيخ كذلك فقلت له والله إني أعرف ذلك الشيخ ولا أحسبه يقبل كل ذلك منك وهو من طلاب الإمام مقبل رحمه الله فهو أشد إجلالا لشيخه مقبل منك له ولم يفعل ذلك معه! . فقال نحن بهذا نغيض أهل البدع ! فقلت له من أحرص على إغاضتهم أنت أو الشيخ الذي تحرص على تقليد لباسه وتلاوته ؟ فقال هو .. فقلت له لماذا لم يفعل هو كذلك مع الشيخ مقبل فلا تلاوته كالشيخ مقبل ولا عمامته مثل عمامته ولا كنيته أبو مقبل ؟! وتلاوته جميلة لأنها تلاوة من فطرته لم يقلد فيها أحدا ! . فإغاضة أهل البدع تكون بالحق والهدى أي بالعلم و العدل ونشر الحق ودعوة الناس إليه واحترام أهل العلم ومحبتهم وليس من ذلك التكلف في تقليد لباسهم وتلاوتهم فضر مثل هذا أكثر من نفعه ! قال النبي صلى الله عليه وسلم على وسلم كما في حديث عبدالله بن عمرو في مسلم ((إنَّ المقسطين يوم القيامة على منابر من نور، عن يمين الرحمن، -وكلتا يديه يمين- الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا))
⭕️ السابعة: وينتج عن "الغلو في المحبة " المذكور سابقا قضية أحادية النظر في مسائل الدين وخاصة المختلف فيها فتجدهم ينظرون إلى كل خلاف تقريبا بمنظار من تعلقوا بحبه حتى قلدوه بل يزيد بعضهم حتى يرى أن خلاف ذلك المنظار ليس له محل من النظر حتى يحله من قلدوه بل رأيت بعض هؤلاء من يرى أن ترجيح غير قول شيخه يعتبر قدحا فيه وهذا من الجهل والغلو بمكان . ولا بد أن يعلم أن أحادية النظر في مسائل الخلاف خاصة الفقهية منها ينتج عنه ضحالة الفكر وضيق الرؤية وضعف الحصيلة العلمية إجمالا بل والمشقة على المسلمين كذلك والله المستعان.
⭕️ الثامنة : وأحادية النظر المذكورة آنفا والتشبث بها منهاجا ينتج عنها صفة مذمومة في باب الاختلاف المعتبر وهي الإكثار من القطع والبت والتحقيق ونفي الريب والشك في الترجيح مطلقا وكأن القول الآخر سراب أو هيام أو هواء والذي ربما يكون عليه جمهور الأمة بمن فيها من عقلاء وعلماء وعباد وقراء وربما يكون عليه غير الجمهور مما يعظم شأنهم وأثرهم على موروث الأمة ككل . فتنبه لذلك فإنها صفة لطالما فر منها العقلاء لأنها تنافي تواضع النفس ومعرفة قدرها وكذلك تنافي احترام عقول السامعين بل ولطالما تركوا لأنفسهم فسحة للتراجع وحفظ ماء الوجه فقد يقولون القول اليوم و يرجعون عنه غدا مادام وأن المسألة معتبرة الخلاف وليس موردها مورد المسائل القطعية الدلالة .
⭕️ التاسعة : يجد الناظر أن منهج العلماء الربانيين رحم الله من مات وحفظ من بقي منهم ينافي طريقة هؤلاء في التعامل مع إخوانهم فلا يوجد في كتب العلماء كابن باز والألباني والوادعي والعثيمين وغيرهم ما فيه عجلة في تبديع معين أو سبق لإخرج أخ لهم من أهل السنة بل تجد العكس تماما فتجد الصبر والتأليف والرحمة ثم إذا لزم الأمر فإنهم يتقصدون الكلام على جنس أهل البدع قبل تبديع الأعيان وآخر العلاج الكي وهكذا دواليك … فانتساب هؤلاء إلى العلماء المذكورين وغيرهم نسبة يعتريها كثير من التلبيس والزور إذ أن غاية ذلك في الظاهر هو التسويق لأنفسهم لا غير ودليل ذلك أنك إذ سألت أحدهم وقلت له دعنا نرفع كلامك في أخيك إلى هؤلاء العلماء لننظر هل يوافقونك في تبديعه أم لا يكون جوابهم في الأغلب تلك المقولات المشهورة كأهل مكة أدرى بشعابها وصاحب البيت أدرى بمن فيه وأنا أعلم بأهل بلدي ونحو ذلك من التأصيلات التي يستخدمونها على مرادهم وليس على مراد من استنبطها وبينها من أهل العلم كما تقدم والله المستعان.
⭕️ العاشرة : يكثرون التنقل فتارة معك وتارة عليك وتارة على غيرك وفي كل ذلك هم قاطعون بصواب موقفهم إطلاقا فليس لهم قرار ولا عليهم اعتماد بل ويصل بكثير منهم إلى قلة أدبهم مع من علمهم الخير وتأدبوا على يديه بل وقد يكون قد تسبب في تعرفهم على السلفية أصلا والسبب في ذلك خلط الأصول واخترام المنهج وأحادية النظر وقصور الأخلاق ولربما يصل هذا التنقل إلى مرتبة السآمة لديهم فيكون سببا في ضعف استقامتهم لأنهم في الحقيقة يتعبون أنفسهم أشد من إتعابهم غيرهم وفي كل تعب وقد يكون بعد ذلك الانتكاسة والعياذ بالله وقد رأيناها والله مرات كثير ة وهذا في الغالب نهاية المتنطعين في الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "هلك المتنطعون " ومثله في البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا
والله المستعان والحمد لله رب العالمين