مسألة في حكم المسبحة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا أبا العطاء جزاكم الله خيرا ونفعكم ونفع بكم.. ما هو حكم التسبيح بالمسبحة ؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لابد أولا أن تعلم رزقني الله وإياك العلم والعدل والإنصاف أن تنزيل الحكم الصحيح على آحاد المسائل فرع عن تصورها تصورا صحيحا على ما هي عليه في الحقيقة .
وبالتالي فالتعلم أن المسبحة وتسبيح أهل المروءة والعبادة بها له منظاران إثنان لابد من بيانهما قبل بيان حكمها لتنزيل الحكم تنزيلا صحيحا عليها نسأل الله التوفيق والسداد.
كأن يعتقد فضلها أو أجرها أو عظم التسبيح بها دون غيرها أو غير ذلك... فحكم مثل هذا لا ينبغي أن يختلف في بدعيته وليس هو مناط الحكم لأنه ليس موطن نزاع بين علمائنا وذلك لأن من كان هذا حاله فإنه قد أحدث في الحكم الشرعي -التسبيح- شيئا لم يأذن به الله تعالى وذلك باعتقاد فضله إذ أن التفضيل تشريع.
وليس هذا النوع هو ما اختلف فيه أهل العلم من اهل السنة بل كلهم مطبقون على رفضه ورده بل وكثير ممن أجاز النوع الثاني صرح ببدعية مثل هذا .
المنظار الثاني :
ما كان من باب تسيهل العدد وعدم السهو فيه إختصارا وإعمارا للأوقات بمختلف الأعمال إذا فليس هو من باب التفضيل بل من باب التسهيل .
فهذا النوع هو الذي خصه كثير من علماء أهل السنة بالجواز سلفا وخلفا مع استحضارهم أنه خلاف الأولى بل يصرحون مرارا وتكرارا أن الأولى عقد التسبيح باليمين للنص الثابت في ذلك .
ولكنهم يرون جوازه ولا يعتقدون بدعيته ومن نظر وتفكر وجد أن هذا القول ينصره كثير ممن تقدم أو تأخر من أهل العلم إلم يكونوا الأكثر وهو اختيار الإمام إبن تيمية رحمه الله حيث قال: (فصل:
وعد التسبيح بالأصابع سنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء: {سبحن واعقدن بالأصابع فإنهن مسئولات مستنطقات} . وأما عده بالنوى والحصى ونحو ذلك فحسن وكان من الصحابة رضي الله عنهم من يفعل ذلك وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين تسبح بالحصى وأقرها على ذلك وروي أن أبا هريرة كان يسبح به.
وأما التسبيح بما يجعل في نظام من الخرز ونحوه فمن الناس من كرهه ومنهم من لم يكرهه وإذا أحسنت فيه النية فهو حسن غير مكروه وأما اتخاذه من غير حاجة أو إظهاره للناس مثل تعليقه في العنق أو جعله كالسوار في اليد أو نحو ذلك فهذا إما رياء للناس أو مظنة المراءاة ومشابهة المرائين من غير حاجة: الأول محرم والثاني أقل أحواله الكراهة انتهى.)
وهو كذلك اختيار اللجنة الدائمة وإبن باز وإبن عثمين وغيرهم كثير و هؤلاء يصرحون أنه خلاف الأولى إلا أنه جائز.
وتعليلهم في ذلك أنه لم يقصد بها ما يقصد بالطريقة الشرعية وإنما فقط للتسهيل فصار مثلها مثل قراءة الإمام في الصلاة على مكبر الصوت تسهيلا لمتابعة المأمومين وكأذن المؤذنين على مكبرات الصوت كذلك .
وذهب آخرون إلى منعه وحرمته بتاتا بل وصفوه بالبدعة وهو قول جماعة ممن تقدم كذلك وذكرهم ورد قولهم الحافظ إبن حجر رحمه الله .
وهو اختيار الإمام الألباني والشيخ الوادعي وغيرهم بل هي أحد المسائل التي رد فيها الألباني على الغماري وأصحابه وحصل فيها أخذ ورد وقد ذكر حكمها مرارا في كتبه وتسجيلاته ..
وتعليلهم في ذلك أن المسبحة لم تكن على عهده عليه الصلاة والسلام مع إمكانية اتخاذها بل لا تعرف العرب هذه المسبحة في كلامها أصلا ولذا فقد نص أهل اللغة أن لفظ المسبحة إنما هو مولد غير أصيل في اللغة العربية ذكر ذلك إبن منظور وغيره رحمه الله وكرر ذلك الألباني كثيرا .
ومن ذلك أن الشرع قد جاء بذكر الأنامل والتسبيح باليد كما في حديث عبدالله بن عمرو عند أبي داود وغيره من الأحاديث وأن هذه المسبحة سبب لترك هذه السنة وما كان كذلك فهو بدعة بل يرى الإمام الألباني أن التسبيح بالحصى أو المسبحة أواليدين معا أو باليسرى وحدها لغير ضرورة أن كل ذلك من البدع .. والسنة بالأنامل وباليمنى فقط لنص الحديث السابق وغيره .
الخلاصة :
حقيقة بعد التجرد في البحث والنظر يتبين جليا سلامة وجودة طرح إبن باز وإبن عثيمين ومن إليهم يعني في من اتخذ المسبحة للعدد فوصفها بالترك و إن شئت قلت الخطأ فذلك أولى وأصح ممن وصف ذلك بالبدعة إذ أنه منساق مع القواعد والأصول في باب البدعة وأحكامها بشكل أدق وأوضح وذلك لأسباب منها أن جل العلل المذكورة لمن بدعها ليست مطردة على كل صاحب مسبحة..
فمثلا ليس كل من يسبح بالمسبحة هاجر للتسبيح بالأنامل كما أن ليس كل مسبح بها معظم لها معتقد فيها ، فمتى لم يكن كذلك فكيف نطرد بدعيتها مطلقا على كل مسبحة !
وأما عدم اتخاذها في العهد النبوي فذلك محط خلاف بين أهل العلم لخلافهم في حديث سعد وغيره في الحصى ومع ذلك فالقول بحدوثها ليس كاف في تبديعها لأننا نتكلم عن اتخاذ طبعي وليس اتخاذ شرعي مع التنبيه و التذكير أن هذا الإختيار لا ينافي القول ببدعيتها في بعض صورها كما تقدم إذا فهو اختيار أبلغ في التحري وأدق في التفصيل .
أقول هذا وأنا مجل لقول من يرى بدعيتها مطلقا معظم لقوله .. والله أعلم .
تنبيه:
لا يدخل في النزاع بين أهل العلم من كان يتخذها رياء وسمعة ونحو ذلك من المقاصد المحرمة إجماعا لا في هذه المسألة ولا في غيرها سواءا كان في الذكر أو الصلاة أو اللباس أو غير ذلك . فمن سمع سمع الله به فأهل العلم مطبقون على تحريمها في حقه ولذا قلنا في صدر الكلام أهل المروءة والعبادة.. وأما متخذها رياء وسمعة فهو سفيه كما نبه على ذلك إبن حجر رحمه الله .
تنبيه آخر:
من أجازها مع كراهتها لم يجز اتخاذها من باهض الأثمان لأن ذلك مدعاة للسمعة .
تنبيه أخير:
الحكم عليها بالتحريم من جهة التشبه بأهل الكتاب أو بأهل البدع فيه نظر أضف إلى أن المسبحة ليست من اللباس والزينة في قول عامتهم وقد سبق كلام ابن تيمية . والله أعلم.