} h3.post-title{ text-align: center; } .post-title {text-align:center;} -->

طالب العلم بين التجرد وسطوة المؤثرات

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَمَّا بَعْدُ

 📍مقدمة : 

إعلم رحمك الله أن المناهج والقضايا الفكرية مهما كان نوعها  فهي تعتبر مؤثرة على محيطها بمؤثراتها التي توصل إليها والتي تعتبر كالداعي الموصل إلى ذلك المنهاج فلولا وجود ذلك الداعي المؤثر لما حصل ذلك التأثير فهو من باب عقد النتائج بأسبابها وهذا أمر لا يختلف عليه بل هي قضية أصولية منطقية جاء على منوالها التشريع ولذا انظر إلى قول الله تعالى : ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِیلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَـٰدِلۡهُم بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِیلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِینَ.

فكانت الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال الحسن مؤثرات وسبل توصل إلى سبيل ربك ولذا أوجبها الله تعالى علينا بأن أمر بها.

ومنه كذلك قول الله تعالى (إِنَّمَاۤ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ رَبَّ هَـٰذِهِ ٱلۡبَلۡدَةِ ٱلَّذِی حَرَّمَهَا وَلَهُۥ كُلُّ شَیۡءࣲۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِین وَأَنۡ أَتۡلُوَا۟ ٱلۡقُرۡءَانَۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا یَهۡتَدِی لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلۡ إِنَّمَاۤ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُنذِرِینَ) هذه الآية الجامعة جمعت منهاج النبي صلى الله عليه وسلم و الغاية من إرساله مع بيان السبيل المؤثر الموصل إلى ذلك المنهاج وهو القرآن متمثلا بتلاوته على الناس وكذلك ماهية التأثير سلبا أو إيجابا في قوله تعالى وأن أتلو القرآن فمن اهتدى الآية.

فهذا التوصيف القرآني يبين أن السبيل الموصل إلى المنهج الرباني لتكون من المسلمين هو سبيل القرآن بأن يتلى على الناس ويبين معانيه وهذا الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم مؤتمرا بأمر الله تعالى كما ثبت في الصحيحين من حديث جبير بن مطعم قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا وَقَرَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِي.

فبيان الحقائق في غاية الأهمية ولا يتم ذلك إلا بمعرفة الطرق الموصلة إليها ولذا صارت الطرق والسبل الموصلة إلى الحقائق جزء لا يتجزأ من الحقيقية نفسها ومن هنا قيل الوسائل لها حكم المقاصد، ولكن تارة قد يعتري هذه المؤثرات والسبل الموصلة إلى الحقائق نوع من اللبس والتشويش والزيادة والتنقيص حتى تخرج عن وضعها الصحيح فينتج عن ذلك أنها لا توصل إلى الحقائق على النحو الصحيح كذلك إذ النتيجة فرع من أسبابها فإذا اختل السبيل الموصل لمعرفة الحق اختلت الحقيقة في نفس المتلقي كذلك ولذا حرم الإسلام الغلو في الدين بشقيه (التمييع والتشديد) لأنه سبيل إلى طمس الحقيقة أو قل تغييرها على نحو منحرف.


حاشية

ولابد من التنبيه أن الغلو ليس هو حصرا في التشديد كما تقدم في مقالات سابقة و دللنا عليه من القرآن بل هو كذلك في الانسلاخ من الدين وقد أصاب نوعيه الأمم قبلنا وحذرنا الله تعالى منهما صراحة في القرآن إذ اعتقاد الانسلاخ من الدين والتشبث به مفهوما والعمل به تدينا و المنافحة عنه عنادا هو عين الغلو كذلك ]

إذا الانحراف في السبيل انحراف في الغاية ولذا تفكر في الآية الآنفة الذكر حيث قيد الله تعالى الموعظة والجدال أن يكونا بالتي هي أحسن أي ما كان منه بسبيل حسن وغاية حسنة وإلا فليست هي منهاجا للنبي صلى الله عليه وسلم أما الحكمة المذكورة لم تقيد بالتي هي أحسن لأن الحكمة لا تكون إلا كذلك وإلا فليست من الحكمة في شيء. 


📍فصل في بيان معنى سطوة المؤثرات على طالب العلم  :

واعلم أن تلك السبل إذا انحرفت عن طريقها السوي لربما تلتبس على طالب العلم فيظنها أنها هي السبيل الموصلة إلى الحق المطلوب بينما في الحقيقة ليست هي كذلك فينتج عن ذلك اختلال في منظومة الحقائق المترتبة لديه وهذا اللبس لا شك أن له أسبابا وعواملا منها الجهل ومنها الرفقة السيئة ومنها انخرام القدوة وغير ذلك وليست هذه الأسباب هي المقصودة إذ أن الحديث عن طالب علم هو في الغالب يملك التمييز فهو أرفع من أن يكون سبب اختلال السبيل لديه مجرد الجهل وإنما هناك أسباب أخرى ومن أهمها نوع أسميه "سطوة المؤثرات" أي أن السبب في ذلك الاختلال يرجع إلى أمر خارجي وهو نوع من الترهيب يطرأ على الأفكار والعقول لتتعطل فيها مادة التمييز فتنجرف بسبب ذلك الترهيب إلى ما لا ينبغي لها وإن كانت في الأصل مميزة لذلك الخطأ من غيره ولكنه نوع من الخور والضعف الخفي يجعلها كذلك وقولنا خفي لأنهم ربما أخفوه تحت ستار مبهرج  ليواري سوأت الضعف.

وهذا أصل حاصل في عقول بني آدم شهد القرآن مرارا بحصوله على النحو المذكور ومنه قوله تعالى (وَإِن كَادُوا۟ لَیَفۡتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِیۤ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ لِتَفۡتَرِیَ عَلَیۡنَا غَیۡرَهُۥۖ وَإِذࣰا لَّٱتَّخَذُوكَ خَلِیلࣰا وَلَوۡلَاۤ أَن ثَبَّتۡنَـٰكَ لَقَدۡ كِدتَّ تَرۡكَنُ إِلَیۡهِمۡ شَیۡـࣰٔا قَلِیلًا إِذࣰا لَّأَذَقۡنَـٰكَ ضِعۡفَ ٱلۡحَیَوٰةِ وَضِعۡفَ ٱلۡمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَیۡنَا نَصِیرࣰا)

ويفتنونك أي يضرونك ليصرفونك عن الحق.

ويقول ابن عاشور رحمه الله بعد استقراء لأقوال المفسرين في تأويل الفتنة المذكورة في الآية : (والفَتْنُ والفُتُونُ: مُعامَلَةٌ يَلْحَقُ مِنها ضُرُّ واضْطِرابُ النَّفْسِ في أنْواعٍ مِنَ المُعامَلَةِ يَعْسُرُ دَفْعُها، مِن تَغَلُّبٍ عَلى القُوَّةِ وعَلى الفِكْرِ). انتهى

ومن ذلك كذلك قوله تعال :  (إِنَّ ٱلَّذِینَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ ظَالِمِیۤ أَنفُسِهِمۡ قَالُوا۟ فِیمَ كُنتُمۡۖ قَالُوا۟ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوۤا۟ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَ ٰسِعَةࣰ فَتُهَاجِرُوا۟ فِیهَاۚ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَاۤءَتۡ مَصِیرًا إِلَّا ٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَ ٰنِ لَا یَسۡتَطِیعُونَ حِیلَةࣰ وَلَا یَهۡتَدُونَ سَبِیلࣰا فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن یَعۡفُوَ عَنۡهُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوًّا غَفُورࣰا(

فانظر يا رعاك الله إلى نوع المستضعفين في الآية الأولى مع نوع المستضعفين في الآية الثانية فتجد أن حد الضعف فيهما مختلف فالأولى منهما فتنوا بمقامهم مع الكفار وكانوا ذو حيلة للخروج والهجرة ولكنهم بمقامهم معهم انجرفوا مع الظالمين أنفسهم لقوة شوكتهم ففرضوا عليهم رأيهم فأخذ به ضعفاء الرأي حتى صاروا منهم فلم يشفع لهم ذلك الضعف عند الله تعالى لأنه ضعف غير معتبر بخلاف الضعف الذي لا حيلة فيه كما هو الحال في الطائفة الثانية ولذا لم يحشروا في زمرة الظالمين إذ لم يصفهم الله تعالى بذلك.


 📍فصل في بيان معنى التجرد :

و لم يكن الضعف في الرأي لصاحب الحيلة عذرا قط للوقوع في ظلم النفس أو الغير بل يجب شرعا على كل أحد مستضعف كان أو قوي أن يقوم لله تعالى فيقبل على الحق فيأخذ منه ما استطاع ويرد الباطل كذلك وذلك في استطاعة كل أحد وهذا هو التجرد على الحقيقة ولذا انظر إلى معشر المستضعفين من قوم صالح عليه السلام في هذه الآيات كيف قالوا فقاموا بحق الله فاستحقوا النجاة برحمة الله تعالى وحده.

 قال الله تعالى : (قَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِینَ ٱسۡتَكۡبَرُوا۟ مِن قَوۡمِهِۦ لِلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُوا۟ لِمَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُمۡ أَتَعۡلَمُونَ أَنَّ صَـٰلِحࣰا مُّرۡسَلࣱ مِّن رَّبِّهِۦۚ قَالُوۤا۟ إِنَّا بِمَاۤ أُرۡسِلَ بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ)

مع قول الله تعالى (فَلَمَّا جَاۤءَ أَمۡرُنَا نَجَّیۡنَا صَـٰلِحࣰا وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةࣲ مِّنَّا وَمِنۡ خِزۡیِ یَوۡمِىِٕذٍۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡقَوِیُّ ٱلۡعَزِیزُ).

  ⭕واعلم أن التجرد هو القيام الحكيم بالحق مع رد الباطل قدر المستطاع مع الإعراض عن العوارض مهما كانت و التي تؤثر سلبا على ذلك القيام .

📍فصل في تعدد المؤثرات :

ومن تفكر في أهمية التجرد في إصابة الحق ونظر في العوارض وسطوة تلك المؤثرات التي قد تحرف العقول عن سداد الأمور وجدها كثيرة في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم في كلام العقلاء أرباب السلوك والتجربة.

فمن ذلك قول الله تعالى (لَّا تَجِدُ قَوۡمࣰا یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ یُوَاۤدُّونَ مَنۡ حَاۤدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوۤا۟ ءَابَاۤءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَاۤءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَ ٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِیرَتَهُمۡۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِیمَـٰنَ وَأَیَّدَهُم بِرُوحࣲ مِّنۡهُۖ وَیُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ رَضِیَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُوا۟ عَنۡهُۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَاۤ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ)

فانظر إلى تلك الأرحام المذكورة والتي بطبعها مؤثرة على عقول الرجال وإلا فلم تذكر!

 ومع ذلك أمر الله تعالى بالإعراض عنها مادام وأنها منحرفة ونحن بعون الله نذكر من تلك العوارض المؤثرة ما شاءالله تعالى .

 📍فصل في التقليد :

والتجرد في طلب الحقائق هو السبيل الأوحد للحصول عليها بعد توفيق الله تعالى وهو مناف للإنقياد وراء تلك السطوة التي تفرضها بعض الأفكار المنحرفة عن سبيل الحقائق ولذا كان التقليد مذموما عند العقلاء في أصله لمن توفرت فيه ملكة التجرد والبحث عن الحقائق .

 وما التقليد إلا سوط من سياط  تلك المؤثرات المشوهة التي لبست لباس الحقائق بدعوى تقدير العلماء وتعظيم الأكابر فخلطوا بين الإجلال والتقديس فنتج عن ذلك فتنة التقليد وجعلت سبيلا ليتوصل بها لمعرفة الحقائق "زعموا" فصارت سبيلا إلى فاجعة أخرى وهي التمذهب الأعمى ثم جعلت تلك المذهبية في قالب الإنضباط والديانة لتسلك فأودت بهم إلى هاوية التعصب والاختلاف في الدين فأصابهم "أي المقلدة" ما أصاب الأمم قبلنا شيعا وأحزابا بل وجعلوا كل ذلك دينا يدان به وعلى إثر ذلك دعت طائفة منهم إلى وجوب التقليد بلا تقييد وانقراض الإجتهاد.

 📍فصل في مادة الإجتهاد :

واعلم أن الإجتهاد في مادته الأساسية وأركانه الأساسية قائم على معنى التجرد في طلب الحقائق فلا يكون مجتهدا قط وهو غير متجرد البحث والاستقراء .

ولذا لا تجد عالما منسوبا إلى أحد المذاهب المتبوعة وهو موصوف باجتهاد إلا وله خلاف لمذهبه الذي ينسب إليه بلا شك قل أو كثر وهذا من نتاج التجرد ولذا لا يقال عنهم مقلدة وإن نسبوا في العموم إلى مذهبهم الذي تضلعوا منه ونشأوا عليه لأنهم في حقيقة الأمر متجردة فصارت تلك النسبة المذهبية فيهم معناها إلى المجاز أقرب منه إلى الحقيقة إذ أن التمذهب في أصله هو التمذهب المطلق وهو تمذهب المقلدة والتجرد قرينة صارفة للفظ التمذهب المطلق عن صاحبه إلى معان أخرى يدل عليها مطلق اللغة أو الحال (كالنشأة وأصل الطلب وغلبة الاخذ ونحو ذلك ) وهذا ضابط المجاز في اللغة على الحقيقة فتنبه لهذا فإنه تأصيل مهم يذب به عن عرض جمع غفير من العلماء الأفذاذ الذين طعن فيهم بعض الصغار مهما كبرت أعمارهم بدعوى الاتباع ونبذ التقليد فخلطوا بين هؤلاء العلماء المجتهدين وغيرهم لضعف التمييز والله المستعان. 

📍فصل في سطوة المحبة الغالبة :

ومن العوارض الفكرية المؤثرة التي قد تحرف طالب العلم بسياطها عن ملابسة الحقائق "سطوة المحبة الغالبة" إذ حبك للشيء قد يعمي ويصم ولأهمية هذا الأمر وكثرة الوقوع فيه تجده قد ذكر نصا في كلام الله قال الله تعالى وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادࣰا یُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَشَدُّ حُبࣰّا لِّلَّهِۗ وَلَوۡ یَرَى ٱلَّذِینَ ظَلَمُوۤا۟ إِذۡ یَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِیعࣰا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعَذَابِ

ومنه كذلك قول الله تعالى :

وَقَالَ نِسۡوَةࣱ فِی ٱلۡمَدِینَةِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِیزِ تُرَ ٰوِدُ فَتَىٰهَا عَن نَّفۡسِهِۦۖ قَدۡ شَغَفَهَا حُبًّاۖ إِنَّا لَنَرَىٰهَا فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِین

ونحو ذلك من الأدلة ولذا فإنك تجد في كتاب الله تعالى أن المحبة المؤثرة للمخلوق تذم تارة كما في الآيات الماضيات الذكر وتمدح في مواضع أخرى كما في حب المؤمنين ربهم آنفا وكذلك حب المؤمنين إخوانهم كما في قول الله تعالى : وَٱلَّذِینَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِیمَـٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ یُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَیۡهِمۡ

ونحو ذلك من الأدلة وجماع ذلك أنك ترى أن المحبة المذموة هي المحبة التي تغلب صاحبها حتى يقع في الباطل بينما المحبة الممدوحة هي محبة مقيدة بحب ما يحبه الله تعالى موصلة إلى مرضات الله تعالى ، فصارت المحبة محبتان غالبة مذمومة ومقيدة بما يحبه الله ممدوحة وأما قولنا المحبة المؤثرة للمخلوق إخراجا للمحبة الطبيعية الغير مؤثرة والتي لا تذم الا إذا ألهت فقد غلبت وصارت مذمومة ومنه قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ 

 ⭕واعلم أن المحبة الغالبة تنافي التجرد من وجوه عديدة منها أنها كيان خارجي عن موضوع العلم وأدواته فالنظر إلى قضايا العلم من خلالها يعتبر إقحام لمادة غير العلم فيه فكان ابتذالا واضحا واسخافا جليا في حق العلم نفسه ناهيك أن ترجح به تلك المادة العلمية فهذا أبعد بلا شك .

📍فصل في سطوة الفراق:

ومن تلك العوارض المؤثرة التي تنافي معنى التجرد والقيام بالحق "سطوة الخوف من فراق المنزل و الأحبة" وذلك أنك تجد الرجل قد يلزم رأيا وله عليه نظر فقط كي لا يفارق ما يحب ومن يحب وهذا عارض مؤثر له سطوة على النفس وهيمنة على الفؤاد وشواهده كثيرة جدا في كل ما يعتمده العقلاء مستندا للإستدلال وما قصة هرقل عنا ببعيد ومن ذلك قول الله تعالى في كتابه الكريم  (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوۤا۟ ءَابَاۤءَكُمۡ وَإِخۡوَ ٰنَكُمۡ أَوۡلِیَاۤءَ إِنِ ٱسۡتَحَبُّوا۟ ٱلۡكُفۡرَ عَلَى ٱلۡإِیمَـٰنِۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ) وغير ذلك كثير .

واعلم أنه لطالما لازم التجرد والقيام بالحق فراق بعض ما تحب  ابتلاء والخوف من ذلك طبيعة فالواجب الصبر على أمر الله تعالى وهذا المعنى نص عليه ربنا بقوله (وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَ ٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَ ٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِینَ)

 ومن ذلك الآيات السابقة كذلك وما ذلك إلا لأنه فرع من الصدق مع النفس ومع الغير في آن واحد فتارة يلتقيان أي النفس مع الغير على ذات الصدق فيتفقان على التجرد كما هو حال أصحاب الانبياء عليهم السلام فتحصل الألفة والاجتماع على ذلك وهذه نعمة عظيمة  وتارة يختلفان فتكون الغلبة للأثبت وهذا ابتلاء عظيم كذلك والواجب الصبر كما تقدم .

 📍فصل في الفراق المحمود  :

واعلم أن مفارقة من تحب بسبب القيام بما فرضه الله عليك يعتبر محمودا لك على كل حال كيف والقرآن فرقان ومحمد صلى الله عليه وسلم فرق بين الناس إذ أن تلك المفارقة  تفتح عينيك على حقائق الأمور من حولك وترفع حالة هي أشبه بالسراب كنت فيها وأنت لاتشعر فالأمر أشبه باحتراق إيجابي من حولك يزيل عن عينيك غشاوة لولا ذلك الاحتراق لما رفعت وبما أنه احتراق فلا شك أن يصيبك منه حر فاصبر إنما هو أذى لا يلبث أن ينجلي ولا تحسبه شرا لك بل هو خير وسيبدل الله لك  خيرا إن لم يكن في الدنيا فجزما في الآخرة كما قال الله تعالى :(إِن یَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِی قُلُوبِكُمۡ خَیۡرࣰا یُؤۡتِكُمۡ خَیۡرࣰا مِّمَّاۤ أُخِذَ مِنكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیم).

📍فصل :

ومن تلك العوارض المؤثرة بطبعها والتي لها سطوة على الفكر تنافي التجرد والقيام بأمر الله كما ينبغي = يتبع إن شاءالله

 

 

 

https://t.me/ahmadbanajah/1779

TRENDING